أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=392568
94 0
#1

افتراضي آيات الذرية ومضامينها التربوية2



آيات الذرية في سورة الرعد ومضامينها التربوية

الآية الأولى: قال الله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 23، 24].


أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: العاقبة الحسنة لعباد الله الصالحين، والبشرى لعباد الله الصالحين بصحبة أولادهم في الجنة، والبشارة بمضاعفة الأجر للعاملين كأسلوب تربوي قرآني، وأهمية الصبر وعاقبته الحسنة، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:

أولًا: العاقبة الحسنة لعباد الله الصالحين:
إن الله تعالى وعد عباده الصالحين حسن الجزاء، وحسن العاقبة، وهي: جنات عدن خالدين ومنعمين فيها، ولا شك أن ذلك مطلب كل مؤمن، ورجاء كل مسلم، وأمل كل تقي؛ لأن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وقد ربط الشارع الحكيم في كثير من الآيات الكريمات دخولَ الجنة ونعيمها بالتقوى والعمل الصالح، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: 57]، وقال تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: 23]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [الحج: 14].


وهذا الجزاء العظيم يناله المؤمن بفضل الله تعالى وعفوه وكرمه؛ كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَـلُهُ الْجَنَّةَ، فَقِيلَ: وَلَا أَنْتَ؟ يَا رَسُـولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ"[1].

ولهذا ينبغي للمسلم أن يستفرغ وسعه، في الحرص على مرضاة ربه وطاعته، والعناية التامة بتقوى الله تعالى، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، لقاء ما أسبغ علينا من نعم ظاهرة وباطنه، لا تعد ولا تحصى.


ثانيًا: البشرى لعباد الله الصالحين بصحبة أولادهم في الجنة:

إن من رحمة الله جل وعلا بعباده، وقد علم قوة ولع الوالدين بأبنائهم، وشدة تعلق الأصول بالفروع، وحرصهم على القرب منهم، فقد وعد الله تعالى الصالحين من عباده المؤدين أوامره، المجتنبين نواهيه، إضافة إلى تكرُّمه تعالى بإدخالهم جنانه ذات النعيم المقيم، بأن تكون ذرياتهم معهم في الجنة، ولكن شريطة صلاحهم، وتأديتهم لما فرض عليهم من حقوق، وواجبات.

وأورد ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية، ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقرَّ بهم عينُه.

وهذا التوجيه يؤكِّد أمرين مهمين؛ هما:
أولًا: تحفيز الوالدين بزيادة العمل الصالح والقرب من الله تعالى، فإن ذلك مردوده عليهم عظيم، وأي فضل أعظم من أن تكون مع الإنسان ذريته في الآخرة، حتى ولو لم تعمل ذريته نفس عمل الأب، ولكن بصلاح الأب ارتفعت الذرية في الجنة.

ثانيًا: بذل مزيد من الجهد والعناية في تربية الأولاد، والمحافظة عليهم، وحسن رعايتهم، رعاية تحفظ عليهم دينهم وأخلاقهم؛ لأن ذلك سيكون سببًا في سعادتهم بهم في الدنيا، كما سيكون سببًا في سعادتهم بهم أكثر في الآخرة، نسأل الله تعالى من فضله.

فيا أيها الآباء والأمهات، هلَّا بذلتم مزيدًا من العمل الصالح، ومزيدًا من العناية في تربية أولادكم تربية إسلامية صحيحة؛ لتحصلوا على هذه البشرى العظيمة والجائزة الثمينة من الله تعالى.

ثالثًا: البشارة بمضاعفة الأجر للعاملين:

النفس البشرية تحتاج إلى أساليب مناسبة لتربيتها، ولا شك أن القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، يزخر كل منهما بالعديد من الأساليب التربوية المناسبة لها، كيف لا والله تعالى هو خالقها، ويعلم ما يصلحها وما يفسدها؛ قال الله تعـالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].


وقد أشـارت الآية الكريمـة هـذه إلى أسلوب تربوي عظيم، وهو: (البشارة بمضاعفة الأجر للعاملين)، وهناك العديد من الآيات الكريمات التي أشارت أيضًا إلى هـذا الأسلوب في مواضـع مختلفة؛ منهـا: قول الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]، وقـال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 17، 18]، وقـــال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 47]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].

وهذا الأسلوب القرآني تحتاجه النفس البشرية في مختلف المراحل العمـرية، وفي مختلف المجالات الحياتية، فعلى المعنيين في هذه المجالات الأخذ بهذا الأسلوب القرآني، وسيجدون بإذن الله تعالى فوائده العظيمة في مضاعفة الجهد من العاملين، وعلى التربويين المتخصصين في التربية وعلم النفس التربوي تحديدًا، بذل مزيد من الجهد لاستخراج هذه الأساليب التربوية.

رابعًا: أهمية الصبر وعاقبته الحسنة:

جاءت الآية: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24] مباشرة بعد الآية ( الرعد: 23 ) التي وردت فيها لفظـة الذرية، وبينهما تلازم وارتباط، فهي بيان وتوضيح، وتأكيد بأن النعيم الأخروي، وما أعده الله تعالى لعباده الصالحين، والذي ذكر في الآية (الرعد: 23) لا يتأتى إلا بالصبر والمجاهدة، ولهذا شواهد أخرى؛ منها: قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 142].

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في هذه الآية استفهام إنكـاري؛ أي: لا تظنوا، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنـة مـن دون مشقـة، واحتمــال المكــاره في سبيل الله، وابتغاء مرضـاته؛ فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل مـا بـه يتنافـس المتنافسون، وكلمـا عظـم المطلـوب عظُمـت وسيلتـه، والعمل الموصـل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بتـرك الراحة، ولا يـدرك النعيـم إلا بترك النعيـم، ولكن مكاره الدنيا التي تُصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول إليـه، تنقلب عند أرباب البصائر منحًا يسرون بها، ولا يبالـون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ ا.هـ.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الحيـاة ليست دائمًا مفروشة بالورود والرياحين، لذلك لا بد أن تواجه الإنسان بعض المصائب، وليس له سبيل في مواجهتها سوى الصبر، بعد الأخذ بالأسباب الشرعية لمواجهة ذلك، ومما يؤكـد ما نقول قول الله تعـالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: وأصـل الكبد الشدة، ثم يصور حال الإنسان وما يعانيه من مشقة، من حين ولادته إلى حين يُأمر به إلى جنة، أو نار فيقول: وأول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا شد رباطًا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابـد نبت أسنانه، وتحـرك لسانه، ثم يكـابد الفطـام، ثم يكابـد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولتـه، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر والهرم، وضَعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادهـا، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمـد العين، وغم الدين، ووجع السن، وألم الأذن.

ثم يضيف ويقول: ويكابد محنًا في المال والنفس، ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كلـه، ثم مسـألة الملَك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار.

لذلك يجب أن يستقر في ذهن المسلم وفي وِجدانه أهميةُ الصبر وعاقبته الحسنة؛ لأنه يكاد يكون العلاج الناجع للكثير من المشاكل التي يعاني منها الناس اليوم، والتي قضت مضاجعهم، ومزَّقت ترابطهم.


الآية الثانية: قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ [الرعد: 38].


أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: النظر والتأمل وأخذ العبرة من الأمم السابقة، ووجوب اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، واليقين الكامل بتقدير الآجال والأقدار، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:

أولًا: النظر والتأمل وأخذ العبرة من الأمم السابقة:


ثانيًا: وجوب اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام.

إن الرسل عليهم الصلاة والسلام جاؤوا مبلغين عن الله تعالى شرائع الدين من أوامر ونواه، وأعدَّ الله تعالى للمتبعين أوامره، المجتنبين نواهيه، الثواب الحسن في الدنيا والآخرة، وأعد للمخالفين أوامره، المتبعين نواهيه سوءَ العقاب في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في ثنايا تفسير هذه الآية: إن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين، ينقاد لهم المرسل إليهم في جميع ما أُمروا به، ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين، تعظيم المطاع من المطيع.

وعلى الإنسان المسلم أن يُسلِّمَ بما جاء من عند الله تعالى من أمر ونهي، ويسعى لتطبيق ذلك بكل جد، وعناية، واهتمام، وإخلاص ابتغاء مرضاة الله تعالى، واجتناب سخطه، وإن حدث منه تقصير من غير قصد، فارتكب معصية بدون إصرار، فإن الله غفور رحيم، يحب ويفرح بتوبة التائبين المعترفين بذنوبهم.

ثالثًا: اليقين الكامل بتقدير الآجال والأقدار:

إن الله سبحانه وتعالى قَدَّرَ المقادير، وَكَتَبَ الآجال لكل واحد من مخلوقاته، فهو العليم القدير، المحيط بكل شيء، لا يسأل عما يفعـل وهم يسألون، والناس آجالهم محدودة، ومقاديرهم مقدرة، ولكن كل ميسر لما خُلق له، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عَـنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قـَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا، وَفِـي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِه، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّار، ِ قَالُـوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 5 - 10] "[2].

ويحضرني في ختام هذا التوجيه موقفٌ دار بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، عندما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام، وأُخْبِر بأن الطاعون بأرضها، ثم رجع عمر ولم يواصل مسيره إلى الشام، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: " أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ: إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَـدَرِ اللَّـهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَـةَ رَعَيْتَهَـا بِقَدَرِ اللَّهِ...الحـديث "[3].


وما على الإنسان المسلم والحالة هذه إلا التسليم الكامل بأقدار الله تعالى، وآجاله المكتوبة على بني آدم من خير، ورزق، وسعادة، وشقاء، وصحة، وعافية، ولكن بعد أن يعمل ويجتهد ويسعى ويصبر ويحتسب، فما يأتي بعد ذلك هو قدر الله تعالى وأجله الذي كُتب له.
[1] (صحيح مسلم، حديث رقم: 7113، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى).

[2] (صحيح مسلم، حديث رقم: 6731، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته).

[3] ( صحيح البخاري، حديث رقم: 5729، كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطاعون ).



آيات الذرية ومضامينها التربوية2
آيات الذرية في سورة إبراهيم ومضامينها التربوية

الآية الأولى: قال الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم:37].

يمكن أن نستخلص من هذه الآية الكريمة ستة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: أهمية الدعاء للذرية، والعناية بالمحافظة على الصلاة جماعة، وتقديم التربية العقدية على التربية الجسدية، ومَن يُطِع الله ويَستجب له يحقِّق آماله، والعناية بشكر الله تعالى على نعمه، والاهتمام بزيارة بيت الله الحرام، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:
أولًا: أهمية الدعاء للذرية:
وهذا من التوجيهات التربوية المهمة التي تكرر ذكرُها في آيات الذرية، وعلى الوالدين تحديدًا العناية بالدعاء للذرية في كل وقتٍ وحين، وتحيُّن الأوقات المناسبة لذلك.

ثانيًا: العناية بالمحافظة على الصلاة جماعة:
من أهم ما يجب أن يعتني به الوالدان في تربية أولادهم، المحافظة على جناب التوحيد الخالص، ومن أهم الوسائل الموصلة لذلك الصلاة، فهي عماد الدين، وهي التطبيق العلمي له، وهي أول ما يحاسب عليه العبد، وهي صلة بين الله تعالى وعبده، وهي الفرق بين المسلم، والكافر؛ فمـن أدَّاها وقام بحقها، كان عهدًا على الله أن يدخله الجنة؛ كما ورد في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قـال: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُـنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَـهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَـهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ"[1].

إن العناية بالمحافظة على الصلاة مما هو معروف لدى المسلمين بداهة، لمن وفَّقه الله، ونشأ وترعرع على أهميتها، ووجوب القيام بها، وهناك عددٌ من التوجيهات الشرعية التي تؤكد هذا المعنى، ونكتفي بإيراد بعضها للاختصار، والحر تكفيه الإشارة؛ قال الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]؛ يقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قولـه تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ﴾ أَمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلـم بأن يأمر أهله بالصـلاة، ويَمتثلهـا معهـم، ويصطبر عليها، ويلازمها، وهذا خطاب للنبي، ويدخل في عمـومه جميـع أُمته، وأهل بيته على التخصيص. وكان عليه الصلاة والسلام بعد نزول هذه الآية، يذهب كـل صباح إلى بيت فاطمة وعلي رضوان الله عليهما، فيقول: الصلاة.

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في هذه الآية الكريمة: حثٌّ لأهلك على الصلاة من فرض ونفلٍ، وتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويُكملها، والاصطبار على إقامتها بحدودها وأركانها وخشوعها، وذلك شاقٌّ على النفس، ولكن ينبغي إكراهُها وجهادها على ذلك، وقد ضمن الله الرزق لمن قام بأمر الله، واشتغل بذكره.

ومن الشواهد الحديثية المهمة والمشهورة لدى عامة المسلمين سلفهم وخلفهم - قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"[2].

وقد أوصى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بأهميتها والمحافظة عليها وهو في الرمق الأخير مودعًا الدنيا، فعـن علي رضي الله عنه قال: كان آخـر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم"[3].

ولا شك أن محافظة الوالدين على الصلاة محافظة تامة، فيها تربية بالقدوة للأولاد، فلا يجدون مشقة، ولا عناء في التزام أولادهم بها، على عكس الوالدين المفرطين في أداء الصلاة؛ فاحرص أيها الأب، واحرصي أيتها الأم على أداء الصلوات، وما يتبعها من رواتب ونوافل، وستجدان الخير كل الخير في ذلك لكما ولذريتكما.

وقد تحتاجان أيها الوالدان في أداء هذه الرسالة العظيمـة إلى صبر ومجاهدة ومثابرة، ومتابعة مستمرة للأولاد، حتى وإن كبروا وتزوجوا وخرجوا من دائرة بيت الوالدين، وقد رأينا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح، فيوقظ ابنته السيدة الجليلة فاطمة وزوجها المبارك علي رضي الله عنهما، كما أشار إليه الإمـام القرطبي رحمه الله آنفًا. وحاشا فاطمة وعليًّا رضي الله عنهما أن يتأخرا، أو يتكاسلا عن الصلاة، ولكن هو من باب تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وهو القدوة الحسنة.

وأختم هذا التوجيه التربوي العظيم بملحوظتين مهمتين شائعتين بين كثير من الناس؛ هما:
الأولى: بعض الآباء قد يحرِص على أداء جميع الفروض جماعةً في المسجد مع أولاده، ولكن لا يهتم بحضور صلاة الفجر، وإن حضرها لا تجده يحرص على إحضار أولاده معه من باب الرفق والشفقة بهم، أو لأسباب دنيوية تافهة، وهـذا بدون شك خطأ عظيم، وتقصير وإفراط من الأب، قد يؤدي إلى عدم المبالاة من الأولاد ببقية الفروض مستقبلًا، ولو علم الأب عظيم الخير من وراء إيقاظ أولاده معه والصبر على ذلك، لَمَا تأخَّر في إيقاظهم، بل إن الإشفاق الحقيقي هو حضورهم لجميع الصلوات جماعة في المسجد، والتوجيهات الشرعية التي تؤكِّد ذلك كثيرة، ولكن أُذَكِّر فقط بحديثين لرسول صلى الله عليـه وسلم: أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"[4]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"[5]، وهذا فضل ركعتي سنة الفجر، فما بالك بفضل صلاة الفجر.

الثانية: يميل بعض الناس إلى تأخير تأدية الصلاة إلى ما بعد الفراغ من أعمالهم واجتماعاتهم وبشكل مستمر، فلا تؤدَّى الصلاة إلا بعد أن ينتهي ذلك العمل، أو ذلك الاجتماع، على الرغم من أنه لا توجد له أهمية تستوجب تأخير الصلاة، وهذا أيضًا خطأ جسيم، واستخفاف بركن عظيم من أركان الإسلام، وتفريط في حق من حقوق الله تعالى.

فالأصل أن تكون الصلاة هي المُقَدَّمَة على كل عمل، ثم يُنسق ويرتب وينظم الناس أعمالهم واجتماعاتهم بحسبها، إما قبلها أو بعدها.

وأرى من المناسب هنا أن أستشهد بقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ويقول ابن كثير رحمه الله: شعـائر الله؛ أي: أوامره، ولا شك أن الصلاة من أعظم أوامر الله تعالى، ويضيف الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أن هذه الآية الكريمة عامـة في جميع شعائر الله، والصلاة بدون شك من أعظم شعائر الله، ولذلك فإن التهيؤ للصلاة فور سماع النداء، دليل على تقوى القلوب، وتعظيمها لأوامر الله تعالى.

ثالثًا: تقديم التربية العقدية على التربية الجسدية:
في الآية الكريمة ملحظ مهم للغاية، ربما يغفل عنه كثير من الآباء، وهو أهمية العناية الفائقة بتربية الأولاد عقديًّا، بتحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، وإقامتها وَفْق ما شرع، وتقديمها على التربية الجسدية المتمثلة في تلبية حاجاتهم من مأكل ومشربٍ وملبس، ومما يؤسف له أننا نرى اليوم من صور التربية الخاطئة أن يهتم الوالدان فقط بتلبية احتياجات الأولاد أيًّا كانت، فهي عندهما مطلب أساس في التربية، أو هـي كل التربية، فعلى سبيل المثال إذا أراد الأبناء السفر إلى الخارج لبَّى طلبهم، وإذا أرادوا السهر خارج البيت مع رفقة غير معروفة لبَّى طلبهم, وإذا أرادوا شراء سيارة معينة لبَّى طلبهم، وإذا أرادوا تناول طعام معين لبَّى طلبهم، وهكذا. فكل مطلب لأولاده محقَّق على الفور دون ما عناء أو أخذ أو عطاء.

أما إذا نظرت إلى الجانب العقدي، والشرعي في تربيتهم لأولادهم، فلا تكاد تجد له أدنى اهتمام إلا في أضيق الحدود، ولذلك فإنه يجب على الوالدين تقوى الله تعالى، والقيام بأداء أمانة تربية أولادهم تربية إسلامية صحيحة متوازنة، تجمع بين التربية العقدية، والتربية العقلية، والتربية الجسدية.

رابعًا: من يطع الله ويستجب له يحقق آماله:
وعد الله تعالى عباده الصالحين الطائعين القائمين على أداء أوامره، واجتناب نواهيه - أن يستجيب دعاءهم، ويحقِّق ما يؤملونه من خيري الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحًا، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من ذكـر، أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله، ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مكفول من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يَجزيه بأحسن ما عملـه في الـدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، ثم ذكر عدة أقوال حولها، فمنهم من قال: إنها الرزق الحلال الطيب، ومنهم قال: إنها القناعة، ومنهم من قـال: إنها السعادة، ومنهم من قـال: إنها الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا، والعمل بالطاعة، والانشراح، ثم قال: والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله.

ولذلك ينبغي على الإنسان المسلم أن يهتمَّ ويعتني بكون الإيمان مقرونًا بالعمل الصالح؛ لأنه هو مصداق إيمان العبد، وكثير من الآيات القرآنية الكريمة قرنت بينهما؛ مما يبين أهمية التلازم بينهما.

فيا أيها العبد المسلم، اعتنِ بهذا التوجيه أيَّما اعتناء، مطبقًا إياه على نفسك أولًا، معلمـًا به أولادك، موضحًا لهم أهميته، ومبينًا مكانته، وثوابه في الدنيا والآخرة.

خامسًا: العناية بشكر الله تعالى على نعمه:
أسبغ الله تعالى علينا نعمه ظاهرة وباطنة؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53]، ومن تمام العبادة وحق الله تعالى علينا أن نشكره شكرًا قوليًّا وعمليـًّا؛ فبالشكر تدوم النعــم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

ومن الأحاديث الشريفـة المؤكدة وجوب عناية المسلم بشكر الله تعالى: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْـرَبَ الشَّرْبَـةَ، فَيَحْمَـدَهُ عَلَيْهَا[6].

سادسًا: الاهتمام بزيارة بيت الله الحرام:
يجب على المسلم أن يحرص كل الحـرص على زيارة بيت الله الحرام للحج أو العمرة، أو الزيارة؛ ليدخل في الدعوة المباركة لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل صلاة وأزكى تسليم: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].

وللشيخ السعدي رحمه الله في اختتام تفسير هذه الآية كلام جميلٌ يُكتَب بمداد من ذهب وهو: "وجعل فيه - يعني البيت الحرام - سرًّا عجيبًا جذابًا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرًا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه، ازداد شوقه، وعظُم ولعُه وتوقُه، وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة".

وهذا واقع مشاهد وملموس لكل من تردَّد على البيت الحرام، فإذا دخله لا يريد الخروج منه، وكم أناس من أهل هذه البلاد المباركة، أو من المقيمين فيها، لا يغيب عن الحرم إطلاقًا، وقد يؤدي كل الصلوات فيه، على الرغم من مشاغله وتعدُّد أعماله. وربما بعدت المسافة بين مقر إقامته والحرم، لكنه الشوق والحنين والجاذبية العجيبة لبيت الله الحرام.

ويجب على الوالدين أن يحرصا كل الحرص على متابعة زيارة بيت الله الحرام، ويتأكد ذلك في حق مَن وفَّقه الله للسكن مجاورًا للحرم أو قريبًا منه، وأن يصطحبا أولادهما معهما للطواف، وأداء بعض الصلـوات المفروضة، والدعاء لأنفسهما، ولذريتهما، ففي ذلك خير عظيم لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى.

الآية الثانية: قال الله تعالى: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
وتتضمن الآية الكريمة توجيهين تربويين مهمين؛ هما: أهمية الدعاء للنفس أولًا وللذرية ثانيًا، والعناية بإقامة الصلاة والمحافظة عليها، وفيما يلي إشارة إليهما:
أولًا: أهمية الدعاء للنفس أولًا وللذرية ثانية:
من يستغني عن خالقه ورازقه ومدبر أمره؟! كلَّا، لا أحد البتةَ، فما أحوج الإنسان إلى الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، فإذا حزبه أمر قام، فتوضَّأ، وصلى لله ركعتين، ودعا الله، وألَحَّ عليه، فإن الله لا يخيب رجاء من دعاه، فهو الكريم مجيب دعوة المضطرين إذا دعوه.

فيجب على الإنسان عند شروعه في الدعاء أن يحرص على الدعاء لنفسه أولًا بأن تكون نفسه صالحة مصلحة، مقيمة لحدود الله تعالى وفرائضه، ومن أهم فرائض الدين على الإنسان الصلاة.

والدعاء للنفس أولًا تكرر مرارًا في كثير من توجيهات القرآن الكريم، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان أبينا إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41]، وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28].

وجاء في الحديث الشريف أهمية أن يبدأ الداعي بنفسه؛ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ[7].

ثانيًا: العناية بإقامة الصلاة والمحافظة عليها:
وسبق شرحُه في التوجيه الثاني من الآية الأولى في نفس السورة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] (سنن أبي داود، حديث رقم: 1420، كتاب: الوتر، باب: فيمن لم يوتر).

[2] (سنن أبي داود، حديث رقم: 495، كتـاب: الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة).

[3] (سنـن أبي داود، حديث رقم: 5156، كتاب: الأدب، بـاب: في حق المملوك ).





[4] (صحيح البخاري، حـديث رقم: 615، كتاب: الأذان، باب: الاستهام في الأذان).

[5] (صحيح مسلم، حديث رقم: 1688، كتـاب: صلاة المسافرين، بـاب: استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما).

[6] (صحيـح مسلــم، حديث رقم: 6932، كتاب: الذكر والدعاء، باب: استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب).

[7] (سنن الترمذي، حديث رقم: 3307، كتاب: الدعوات، باب: ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه).


آيات الذرية ومضامينها التربوية2
آيات الذرية في سورة الإسراء ومضامينها التربوية

الآية الأولى: قال الله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3].
نستفيد من هذه الآية الكريمة توجيهين تربويين مهمين، هما: محبة الله تعالى لعباده الصالحين، واقتداء الأولاد بآبائهم في الخير، وفيما يلي عرض لهذين التوجيهين:
أولًا: محبة الله تعالى لعباده الصالحين:
يحب ربنا جل وعلا عباده الصالحين، وفي مقدمتهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد مدح الله تعالى نبيه نوحًا عليه السلام بأنه ﴿ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]؛ وعلى هذا فدوام العبودية الحقَّة لله تعالى، وشكر الله جل وعلا على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، موصل للفوز بمحبَّته سبحانه وتعالى، وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَـا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا، فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَـاءِ، إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا، فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ))[1].
ثانيًا: اقتداء الأولاد بآبائهم في الخير:
من الطبيعي أن ينشأ الأولاد على ما يرون عليه آباءهم؛ لأن الوالدين هما أعظم قدوة في نظر الأبناء؛ لما للوالدين من محبة واحترام في نفوس الأولاد، فإذا كان الأبوان صالحين، فإن ذلك سيؤثِّر إيجابًا في سلوك أولادهم؛ فلذلك يجب على الآباء الحرص على ألَّا يرى أولادهم منهم، إلا كل تصرُّف رشيد، وألَّا يسمعوا إلا كل قول سديد، ولا يكون القول سديدًا، ولا التصرُّف رشيدًا ما لم يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وُفِّق الآباء لذلك، وجدوا ردود أفعال أولادهم بما يثلج صدورهم، وتقرُّ به أعينُهم بحول الله تعالى وقوَّته، ويحضرني قول أبي العلاء المعري:
وينشأ ناشئُ الفتيان منا آيات الذرية ومضامينها التربوية2
على ما كان عوَّده أبوهُ آيات الذرية ومضامينها التربوية2
وما دانَ الفتى بحجًى ولكن آيات الذرية ومضامينها التربوية2
يُعلِّمُهُ التديُّنَ أقربوهُ آيات الذرية ومضامينها التربوية2

الآية الثانية: قال الله تعالى: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62].
أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: الحوار أسلوب تربوي شرعي، وتحذير الأولاد من عداوة الشيطان المتأصلة لهم، وتحذير الأولاد من عداوة شياطين الإنس.
وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:
أولًا: الحوار أسلوب تربوي شرعي:
لا يخفى على ذي لُبٍّ أهميةُ التحاوُر بين الوالدين والأولاد، وخاصة في القضايا الساخنة والمهمة التي تحتاج إلى توضيح، وإقناع؛ لأنه قد يكون من الأولاد من يميل بطبعه إلى هذا الأسلوب، ولا يقبل التوجيه التقليدي، ولا يرضى التسليم بما يلقى على مسامعه، دون أن يكون هناك حوار، وأدلة مقنعة له في القضية المطروحة.
وقد يكون من الأولاد من يحيد عن الصراط المستقيم، ويكون في اتجاه معاكس لفكر الوالدين؛ إما بسبب سوء في تربية الوالدين له، أو بسبب مؤثِّرات خارجية في المجتمع: كالإعلام، والرفقة السيئة، أو قد يكون ابتلاء من الله تعالى للوالدين؛ لمحبته لهما؛ ولزيادة رفعتهما في الدنيا والآخرة؛ ولكن يجب على الوالدين والحالة هذه أن يستعينا أولًا وأخيرًا بالله تعالى، ويبذلا قصارى جهدهما في التحاور معه باللين، والرفق، والكلمة الطيبة، حتى لو اضطرهما الأمر إلى الاستعانة بالمتخصصين في مجال التوجيه والإرشاد الشرعي والنفسي؛ فإن لديهم من الأساليب المقنعة ما يكون سببًا لإصلاحه، إن شاء الله جل وعلا.
وهذا لا يعني عدم استخدام الحوار مع الأولاد المنضبطين في أقوالهم وأفعالهم؛ لأن الحوار وسيلة للإقناع، والتأثير في الآخر، وفي الوقت ذاته هو وسيلة للنقاش، وإثراء للمواضيع المراد التحاوُر حولها.
ثانيًا: تحذير الأولاد من عداوة الشيطان المتأصِّلة لهم:
إن عداوة الشيطان للإنسان ليست وليدةَ اليوم، وليس لها وقت محدد؛ وإنما هي قديمة قدم الحياة البشرية، بدأت منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام، وأمر الملائكة بالسجود له، فامتنع إبليس من ذلك؛ عصيانًا، واستكبارًا، وتمرُّدًا على الخالق جل وعلا، وهي مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد حذرنا الشارع الحكيم في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية المطهرة من عداوة إبليس وخطورتها؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 11 - 17]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].
ومن الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ)) [2].
وقد حفظ الله تعالى عباده المخلصين من شرور الشيطان، واستثناهم الله عز وجل في قوله: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 65].
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ؛ أي: تسلط وإغواء؛ بل الله يدفـع عنهم - بقيامهم بعبوديته - كل شـر، ويحفظهم من الشيطان الرجيم، ويقـوم بكفايتهم، ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ لمن توكَّل عليه، وأدَّى ما أمر به.
ولذلك يجب على الوالدين تنبيه الأولاد على عداوة إبليس المتأصِّلة لهم؛ ليكونوا على حذر من نزغاته ووساوسه، بالاستعاذة منه، وبكثرة العبادة، والمحافظة على الصلوات، وقراءة القرآن الكريم، والأذكار الشرعية الصباحية والمسائية.
ولعل من أهم التوجيهات الشرعية لكفِّ أذى الشيطان الرجيم، التي يجب على العبد المسلم الأخذ بها: المداومة على قراءة آية الكرسي، وسورتي المعوذتين؛ لما ثبت في الحديث الشريف: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ))"[3].
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَـالَ رَسُـولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ، لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقل أَعُوذُ بِـرَبِّ النَّـاسِ))؛ (صحيح مسلم، حديث رقم: 1891، كتاب: فضائل القرآن وما يتعلق به، باب: فضل قراءة المعوذتين).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ: إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ، وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وَيَقُولُ: ((يَا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَـا))، قَـالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَـا بِهِمـَا فِي الصَّلَاةِ"[4].
ثالثًا: تحذير الأولاد من عداوة شياطين الإنس:
إن شياطين الإنس أشدُّ فتكًا، وأعظم خطرًا من شياطين الجن؛ لأن عداوتهم قد لا تكون ظاهرةً في الغالب، وهم كُثُر في هذه الأيام، ومنتشرون في كل مناحي الحياة؛ ولديهم من الأساليب، والـوسائل الخبيثة المتجددة، ما يستطيعون به الفتك بالناشئة والشباب، وإغوائهم، وإدخالهم في براثن الرذيلة والفجور، وربما أغووهم بما هو أخطر من ذلك؛ بإفساد أفكارهم، وانحراف توجُّهاتهم العقدية، ممَّا قد يُعرِّضهم إلى تدمير أنفسهم، وأسرهم، ومجتمعهم، وأُمَّتهم.
ولعل سائلًا يسأل: هل يوجد في الإنس شياطين؟ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112].
يقول الإمام البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره: إن هذه الآية فيها تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني: كما ابتليناك بهؤلاء القوم، فكذلك جعلنا لكـل نبي قبلك أعداء، ثم فسَّرهم فقال: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾، وإبليس جعل جنده فريقين: فبعث فريقًا منهم إلى الإنس، وفريقًا منهم إلى الجن، وكلا الفريقين أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأوليائه، وهم الذين يلتقون في كـل حين، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجـن: أضللت صاحبي بكـذا فأضـل صاحبك بمثله، وتقول شياطين الجن لشياطين الإنس كذلك، فذلك وحي بعضهم إلى بعض.
ويجب على الوالدين أخذ الحيطة والحذر من شياطين الإنس، وتحذير الأولاد من خطرهم وشدة عداوتهم، وبيان أساليبهم، ووسائلهم الخبيثة.
وختامًا:
لقد أمرنا ربنا تعالى بالتعوُّذ به سبحانه من الوسواس الخنَّاس، الذي يوسوس في صدور الناس، وأيضًا من الجنة ومن الناس، وذلك في آخر سورة من كتاب الله تعالى؛ وهي سورة الناس.
[1] صحيح مسلم، حديث رقم: 6705، كتاب: البر والصلـة، باب: إذا أحب الله عبدًا أمر جبريل فأحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.

[2] صحيـح البخاري، حديث رقم: 2038، كتـاب: الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

[3] صحيح البخاري، حديث رقم: 3275، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.

[4] سنن أبي داود، حديث رقم: 1462، كتاب: الصلاة، بـاب: في المعوذتين.












قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
آيات الذرية ومضامينها التربوية 1 امانى يسرى القرآن الكريم
آية الذرية في سورة الأحقاف ومضامينها التربوية امانى يسرى القرآن الكريم
ربى لا تحرمنى سماع بكائه معلنا قدومه لدنياى ♥ احبك ربى ♥ مدونآت الاعضآء!
الدعاء المعجزة Aziza_Algérie الارشيف والمواضيع المكررة
ادعولي بالحمل والله راح طق اللهم أهدي قلوبنا مضيفة عدلات


الساعة الآن 01:46 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل