تفسير السعدي من الآيــــــة (126):(135)من سورة البقرة
۞حتى لا تكوني هاجرة للقرآن الكريم ..اقرئي معنا هذا الورد اليسير تفسير الختمة الثانيـــــــــــــــــــة ۞ تفسير السعدي من الآيــــــة(126:135)من سورة البقرة
_أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت, أن يجعله الله بلدا آمنا, ويرزق أهله من أنواع الثمرات، ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين, تأدبا مع الله, إذ كان دعاؤه الأول, فيه الإطلاق, فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم.
- فلما دعا لهم بالرزق, وقيده بالمؤمن, وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر, والعاصي والطائع, _ قال تعالى: ( وَمَنْ كَفَرَ ) أي: أرزقهم كلهم, مسلمهم وكافرهم، _أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله, ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، -وأما الكافر, فيتمتع فيها قليلا ( ثُمَّ أَضْطَرُّهُ ) أي: ألجئه وأخرجه مكرها
( إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
_أي: واذكر إبراهيم وإسماعيل, في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس, واستمرارهما على هذا العمل العظيم، وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء, حتى إنهما مع هذا العمل دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما, حتى يحصل فيه النفع العميم.
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ودعوا لأنفسهما, وذريتهما بالإسلام, الذي حقيقته, خضوع القلب, وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) أي: علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ. _ يحتمل أن يكون المراد بالمناسك: أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام، -ويحتمل
أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها, كما يدل عليه عموم اللفظ, _لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج, تغليبا عرفيا، فيكون حاصل دعائهما, يرجع إلى التوفيق للعلم النافع, والعمل الصالح، ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة قالا
( وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ ) أي: في ذريتنا ( رَسُولا مِنْهُمْ ) ليكون أرفع لدرجتهما, ولينقادوا له, وليعرفوه حقيقة المعرفة. _( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ) لفظا, وحفظا, وتحفيظا ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) معنى. _( وَيُزَكِّيهِمْ ) بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية, التي لا تزكي النفوس معها. _( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ) أي: القاهر لكل شيء, الذي لا يمتنع على قوته شيء. _( الْحَكِيمُ ) الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك وحكمتك, ابعث فيهم هذا الرسول. فاستجاب الله لهما, فبعث الله هذا الرسول الكريم, الذي رحم الله به ذريتهما خاصة, وسائر الخلق عامة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: « أنا دعوة أبي إبراهيم » .
_أي: ما يرغب ( عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) بعد ما عرف من فضله ( إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) أي: جهلها وامتهنها, ورضي لها بالدون, وباعها بصفقة المغبون، كما أنه لا أرشد وأكمل,
ممن رغب في ملة إبراهيم،
_ ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال: ( وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا )
أي: اخترناه ووفقناه للأعمال, التي صار بها من المصطفين الأخيار.
_وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ
إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) _ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم,
حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه. _فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء قال: ( يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ) أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه. _ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم, ومن بعده يعقوب, قال تعالى منكرا عليهم: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ) أي: حضورا ( إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ) أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار, ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ) ؟ فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا: ( نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا ) فلا نشرك به شيئا, ولا نعدل به أحدا، ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) فجمعوا بين التوحيد والعمل.
_ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب, لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا, فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية, لا باليهودية.
_تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ _ثم قال تعالى:
( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ) أي: مضت ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ) أي: كل له عمله, وكل سيجازى بما فعله, لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم, أنكم على ملتهم, والرضا بمجرد القول, أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم, أن تنظروا
حالتكم التي أنتم عليها, هل تصلح للنجاة أم لا؟
-أي: دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم, زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال. _قل له مجيبا جوابا شافيا: ( بَلْ ) نتبع ( مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) أي: مقبلا على الله, معرضا عما سواه, قائما بالتوحيد, تاركا للشرك والتنديد. فهذا الذي في اتباعه الهداية, وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية.
المراجع: تفسير /تيسيرُ الكريمِ الرَّحمنِ في تفسيرِ كلامِ المنَّانِ للشَّيخِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ ناصرٍ السّعديِّ.