أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

مميز التوبة النصوح


التوبة النصوح

ثواب التوبة النصوح

يحيى بن موسى الزهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله التواب مقيل العثار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار ، ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار . . أما بعد :
فإن المعاصي ملازمة لابن آدم ، فَمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ ، ومُعَظِّمٌ ومُسْتَصْغَرٌ ، ومؤيد ومنكر ، ونادم ومستكبر ، والمعصوم من عصمه الله ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " [ رواه الترمذي ] .
لقد حث الله تعالى إلى التوبة بل أمر بها عباده في آيات كثيرة ووعد عليها بالثواب العظيم ، والغفران الكبير ، قال تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة160 ] ، وقال سبحانه : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء17 ] .
الله رحيم كريم غفور ودود ، رحمته وسعت كل شيء ، سبقت رحمته غضبه ، يغفر ويصفح ، ويعفو ويسمح ، لا يؤاخذ بالذنب لأول وهلة ، بل يملي للظالم والعاصي لعله يتوب ، وإلى الله يرجع ويؤوب ، قال عز وجل : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة39 ] ، وقال عز وجل : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ التوبة104 ] ، وقال تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور31 ] ، ويقول الحق تبارك وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ] .
أما أرجى آية في كتاب الله تعالى فهي آية سورة الزمر ، فهي آية التائبين والعائدين إلى الله ، يبشرهم ربهم بأنه يقبل توبتهم ، ولا يقنطوا من رحمة ربهم فهو القريب السميع البصير الذي يسمع نجواهم ومناداتهم لربهم عند توبتهم ، ويقيل عثراتهم ، ويغفر ذنوبهم وزلاتهم ، حيث يقول سبحانه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر53 ] .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها ، دقها وجلها ، صغيرها وكبيرها ، ما علمنا منه وما لم نعلم ، يا رب تجاوز عن سيئاتنا ، وتوفنا مسلمين ، وألحقنا بالمؤمنين ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
وبعد هذه الآيات الربانية من الرحيم الكريم ، في فضل التوبة وأن الله تعالى يقبلها من عبده مهما عمل من معاصٍ وذنوب ، وآثام وجرائم ، فهو سبحانه يقبل التوبة من عبده ، ويحب من عبده أن يدعوه وينطرح بين يديه يسأله من فضله وخزائنه ، يسأله العفو والمغفرة ، تأمل معي أخي المسلم ، أختي المسلمة يا من أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي ، يا من اتبع الشيطان وخطواته ، فوقع في الهفوات والزلات ، أمعن النظر في هذه الآيات ، آيات يفرح بها كل مسلم ، يهفو لها قلب كل مؤمن ، يقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } [ الفرقان 68-71 ] .




وبعد فلنتأمل هذه القصص الحقيقية التي قصها علينا نبي البشرية ، وأزكى البرية ، في أحاديث صحيحات ، فيها هدايا وبشارات ، تبين مدى سعة رحمة الله فيمن أذنب ثم تاب ، وإلى ربه أناب ، إنها التوبة النصوح ، التي تهدم ما قبلها من الذنوب والخطيئات وتبدد ما اقترف من السيئات ، الزنا والربا وقتل النفس بغير حق جرائم كبيرة ، ومعاصٍ عظيمة ، بل والكفر لمن تاب منه ، قبل الله منه التوبة ، ويبدل الله السيئات حسنات ، انظر كيف غفرها الله لمن تاب إليه التوبة النصوح ، تأملها يا عبد الله ، وتأمليها يا أمة الجبار :
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً ، فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لاَ ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنَّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ ، أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ " قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ " [ رواه مسلم ] .
التوبة النصوح
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَاراً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ قَالَتْ لاَ وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حَمَلَنِى عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِى فَهِىَ لَكِ . وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَداً ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوباً عَلَى بَابِهِ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ _ يدور _ بِرَكِيَّةٍ _ بئر _ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ _ زانية _ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " [ متفق عليه ] ، إنه العمل الصالح ورحمة الناس والحيوان والتوبة الصادقة طريق إلى المغفرة والرحمة .
ألا فاحذر المعاصي أيها المسلم فهي شؤم وعار وشنار ، وعاقبتها وخيمة ونار ، وإياك أن تستمر في معصية أو تتمادى في ذنب ، بل بادر بالتوبة ، فما تدري لعل الله أن يأخذك وأنت في سكرتك ، وأنت في غيك وطيشك ، وأنت في عنادك وتكبرك وتجبرك ، فقد قال الله تعالى : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف 97-99 ] ، ويقول عز شأنه : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ{ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ النحل 45-47 ] .
ألا فاحذر أيها العاصي أن تستمر على معاصيك ثم يفاجئك الموت وأنت عاكف عليها ، فحينئذ لا توبة ، ولا رجعة تنفعك ، فقد قال الله عز وجل : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء18 ] .
لا تغتر بالشباب ، فأكثر الأموات منهم ومن الشابات جراء حوادث أو موت فجأة ، وإياك وطول الأمل ، فتفاجأ بالأجل .
اللهم تب علينا ، وألهمنا رشدنا ، وجنبنا السيئات ، اللهم اعصمنا من مضلات الفتن ، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً قبل الموت ، وراحة عند الموت ، ورحمة ومغفرة بعد الموت ، اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان ، اللهم أعذنا من عذاب القبر وعذاب النار ، اللهم أدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب ، يا رب العالمين ، يا أرحم الراحمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .


التوبة النصوح
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني



إظهار التوقيع
توقيع : جزائرية فلسطينية
#2

افتراضي رد: التوبة النصوح

رد: التوبة النصوح


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
علامات التوبة المقبولة sara paxton المنتدي الاسلامي العام
التوبة النصوح ، الطريق إلى التوبة الصادقة ، خطوات عملية للتوبة إلى الله نَقاء الرُّوح المنتدي الاسلامي العام
يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i! LOLO_LOLY عدلات في رمضان
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i! I dO nOt CaRe المنتدي الاسلامي العام
التوبة بداية الطريق الحوراء25 المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 11:46 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل