أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل



https://adlat.net/showthread.php?t=251192
5573 12
#1

129127 تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

[IMG]https://***- /bas/0001.gif[/IMG]

تفسير سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام
تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
.تفسير الآيات (38- 42)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}

[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]
.شرح الكلمات:
{يا صاحبي السجن}: أي يا صاحبي في السجن وهما الفتيان صاحب طعام الملك وصاحب شرابه.
{أأرباب متفرقون}: أي آلهة متفرقون هنا وهناك أي في ذواتهم وصفاتهم وأماكنهم.
{من دونه}: أي من دون الله سبحانه وتعالى.
{إلا أسماء}: أي مجرد اسم إله، وإلا في الحقيقة هو ليس بإِله إنما هو صنم.
{ما أنزل الله بها من سلطان}: أي لم يأمر الله تعالى بعبادتها بأي نوع من أنواع العبادة.
{فيسقي ربه خمرا}: أي يسقي سيده الذي هو ملك البلاد شراب الخمر.
{فيصلب}: يقتل مصلوباً على خشبة كما هي عادة القتل عندهم.
{قضي الأمر}: أي فرغ منه وبتّ فيه.
{تَسْتَفْتِيَانِ } الاستفتاء: مصدر استفتى إذا طلباحد الفتوى من غيره في أمر خفى عليه فهمه
{ظن انه ناج منهما}: أي أيقن إنه محكوم ببراءته.
{إذكرني عند ربك}: أي أذكرني عند الملك بأني مسجون ظلما بدون جريمة.
{فأنساه الشيطان ذكر ربه}: أي أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه تعالى.
{بِضْعَ سِنِينَ } والبضع من الثلاث إلى التسع.


[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]




.معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وهو في السجن لقد سبق أن استعبر الفتيان يوسف رؤياهما أي طلبا منه أن يعبرها لما علما منه أنه يعبر الرؤى غير أن يوسف استغل الفرصة وأخذ يحدثهما عن أسباب علمه بتعبير الرؤى وأنه تركه لملّة الكفر وإيمانه بالله تعالى وحده وأنه في ذلك متّبع ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وانه لا ينبغي لهم أن يشركوا بالله وفي هذا تعريض بما عليه أهل السجن من الشرك بالله تعالى بعبادة الأصنام،

_ وواصل حديثه داعياً إلى الله تعالى فقال ما أخبر به تعالى في هذا السياق {يا صاحبي السجن آرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} فخاطب صاحبيه يا صاحبي السجن أخبراني واصدقاني: آرباب أي آلهة متفرقون هنا وهناك، هذا صنم وهذا كوكب، وهذا إنسان، وهذا حيوان، وهذا لونه كذا وهذا لونه كذا خير أم الله الواحد في ذاته وصفاته القهار لكل ما عداه من عداه من سائر المخلوقات، ولم يكن لهم من جواب سوى {الله الواحد القهار} إن العقل يقضي بهذا.

_ ثم خاطب أهل السجن كافة فقال: {ما تعبدون من دونه} أي من دون الله الواحد القهار {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} إنها مجرد أسماء لا غير إذ كونكم تطلقون لفظ إله أو رب على صنم أو كوكب مرسوم له صورة لا يكون بذلك ربّاً وإلهاً إن الرب هو الخالق الرازق المدبر أما المخلوق المرزوق الذي لا يملك نفعا ولا ضراً لنفسه فضلا غن غيره فإِطلاق الربّ والإِله عليه كذب وزور، إنّها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان حجة ولا برهاناً فتعبد لذلك بحكم أن الله أمر بعبادتها.

_ ثم قال لهم {إن الحكم إلا الله} أي ما الحكم إلا الله، وقد حكم بأن لا يعبد إلا هو، إذاً فكل عبادة لغيره هي باطلة يجب تركها والتخلي عنها، ذلك الدين القيم أخبرهم أن عبادة الله وحده وترك عبادة غيره هي الدين القويم والصراط المستقيم إلا أن أكثر الناس لا يعلمون فجهلهم بمعرفة ربهم الحق الذي خلقهم ورزقهم ويدبر حياتهم وإليه مرجعهم هو الذي جعلهم يعبدون ما ينحتون ويؤلهون ما يصنعون.

_ولما فرغ من دعوته إلى ربّه التفت إلى من طلبا منه تعبير رؤياهما فقال: ما أخبر تعالى به عنه {يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربّه خمرا} أي سيطلق سراحه ويعود إلى عمله عند الملك فيسقيه الخمر كما كان يسقيه من قبل، وأما الآخر وهو طباخ الملك المتهم بأنه أراد أن يضع في طعام الملك السم ليقتله، فيصلب فتأكل الطير من رأسه بعد صلبه.

_ولم يعين يوسف- عليه السلام- من هو الذي يسقى ربه خمرا، ومن هو الذي يصلب، وإنما اكتفى بقوله «أما أحدكما ... وأما الآخر» تلطفا معهما، وتحرجا من مواجهة صاحب المصير السيئ بمصيره، وإن كان في تعبيره ما يشير الى مصير كل منهما بطريق غير مباشر.

وهنا قالا: إننا لم نر شيئا وإنما سألناك لنجربك لا غير فرد عليهما قائلا

{قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}
أى: تم التفسير الصحيح لرؤييكما اللتين سألتمانى عن تأويلهما.

ثم قال للذي ظن أنّه ناج منهما ما أخبر تعالى به عنه {اذكرني عند ربك} أي عند سيدك وكانوا يطلقون على السيد المالك لفظ الربّ يقول : اذكر قصتي عند ربك - وهو الملك - فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه بذلك ، وكان من جملة مكايد الشيطان ، لئلا يطلع نبي الله من السجن .

يقول ابن كثير: الصواب أن الضمير في قوله : ( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) عائد على الناجي ، فلبث في السجن بضع سنين أي سبع سنوات عداً،...


_ ويقول ابن عاشور :وضميرا { فأنساه } و { ربه } يحتملان العود إلى { الذي } ، أي أنسى الشيطان الذي نجا أن يَذكره لربه ، فالذكر الثاني هو الذكر الأول . ويحتمل أن يعود الضميران إلى ما عاد إليه ضمير { وقال } أي يوسف عليه السّلام أنساه الشيطان ذكر الله ، فالذكر الثاني غير الذكر الأول . ولعل كلا الاحتمالين مراد ، وهو من بديع الإيجاز . وذلك أن نسيان يوسف عليه السّلام أن يَسأل الله إلهام الملِك تذكر شأنه كان من إلقاء الشيطان في أمنيته ، وكان ذلك سبباً إلهياً في نسيان الساقي تذكير الملك ، وكان ذلك عتاباً إلهياً ليوسف عليه السّلام على اشتغاله بعَون العباد دون استعانة ربه على خلاصه .


[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]
.من هداية الآيات:
1- وجوب اغتنام الفرص للدعوة إلى الله تعالى.
2- تقرير التوحيد عن طريق أحاديث السابقين.
3- لا حكم في شيء إلا بحكم الله تعالى فالحق ما أحقه الله والباطل ما أبطله والدين ما شرعه.
4- مشروعية الاستفتاء في كل مشكل من الأمور.
5- غفلة يوسف عليه السلام بإِقباله على الفتى وقوله له اذكرني عند ربك ناسياً مولاه الحق ووليه الذي أنجاه من القتل وغيابة الجب، وفتنة النساء جعلته يحبس في السجن سبع سنين.

[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]
فى ظلال الآيات:

(يا صاحبي السجن , أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟). .

-إنه يتخذ منهما صاحبين , ويتحبب إليهما هذه الصفة المؤنسة , ليدخل من هذا المدخل إلى صلب الدعوة وجسم العقيدة . وهو لا يدعوهما إليها دعوة مباشرة , إنما يعرضها قضية موضوعية: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟). .

_وهو سؤال يهجم على الفطرة في أعماقها ويهزها هزا شديدا . . إن الفطرة تعرف لها إلها واحد ففيم إذن تعدد الأرباب ؟ . . إن الذي يستحق أن يكون ربا يعبد ويطاع أمره ويتبع شرعه هو الله الواحد القهار . ومتى توحد الإله وتقرر سلطانه القاهر في الوجود فيجب تبعا لذلك أن يتوحد الرب وسلطانه القاهر في حياة الناس . وما يجوز لحظة واحدة أن يعرف الناس أن الله واحد , وأنه هو القاهر , ثم يدينوا لغيره ويخضعوا لأمره , ويتخذوا بذلك من دون الله ربا . . إن الرب لا بد أن يكون إلها يملك أمر هذا الكون ويسيره . ولا ينبغي أن يكون العاجز عن تسيير أمر هذا الكون كله ربا للناس يقهرهم بحكمه , وهو لا يقهر هذا الكون كله بأمره !

_والله الواحد القهار خير أن يدين العباد لربوبيته من أن يدينوا للأرباب المتفرقة الأهواء الجاهلة القاصرة العمياء عن رؤية ما وراء المنظور القريب - كالشأن في كل الأرباب إلا الله - وما شقيت البشرية قط شقاءها بتعدد الأرباب وتفرقهم , وتوزع العباد بين أهوائهم وتنازعهم . . فهذه الأرباب الأرضية التي تغتصب سلطان الله وربوبيته ; أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة , أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية ! هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها , ومن حرصها على ذواتها وبقائها , ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته , وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أومن بعيد ; وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثى ء نفختها الخادعة !

_والله الواحد القهار في غنى عن العالمين ; فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح والعمل والعمارة -

_ ثم يخطو يوسف - عليه السلام - خطوة أخرى في تفنيد عقائد الجاهلية وأوهامها الواهية:

(ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان). .

إن هذه الأرباب - سواء كانت من البشر أم من غير البشر من الأرواح والشياطين والملائكة والقوى الكونية المسخرة بأمر الله - ليست من الربوبية في شيء , وليس لها من حقيقة الربوبية شيء . فالربوبية لا تكون إلا لله الواحد القهار ; الذي يخلق ويقهر كل العباد . . ولكن البشر في الجاهليات المتعددة الأشكال والأوضاع يسمون من عند أنفسهم أسماء , ويخلعون عليها صفات , ويعطونها خصائص ; وفي أول هذه الخصائص خاصية الحكم والسلطان . . والله لم يجعل لها سلطانا ولم ينزل بها من سلطان .

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

_وهنا يضرب يوسف - عليه السلام - ضربته الأخيرة الحاسمة فيبين:لمن ينبغي أن يكون السلطان ! لمن ينبغي أن يكون الحكم ! لمن ينبغي أن تكون الطاعة . . أو بمعنى آخر لمن ينبغي أن تكون "العبادة " !
(إن الحكم إلا لله . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون). .

_ إن الحكم لا يكون إلا لله . فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته ; إذ الحاكمية من خصائص الألوهية . من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته ; سواء ادعى هذا الحق فرد , أو طبقة , أو حزب . أو هيئة , أو أمة , أو الناس جميعا في صورة منظمة عالمية . ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها فقد كفر بالله كفرا بواحا , يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة , حتى بحكم هذا النص وحده !

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

_ ويوسف - عليه السلام - يعلل القول بأن الحكم لله وحده . فيقول:
أمر ألا تعبدوا إلا إياه .
ولا نفهم هذا التعليل كما كان يفهمه الرجل العربي إلا حين ندرك معنى "العبادة " التي يخص بها الله وحده . .

_ إن معنى عبد في اللغة:دان , وخضع , وذل . . ولم يكن معناه في الاصطلاح الإسلامي في أول الأمر أداء الشعائر . . إنما كان هو معناه اللغوي نفسه . . فعندما نزل هذا النص أول مرة لم يكن شيء من الشعائر قد فرض حتى ينطلق اللفظ إليه . إنما كان المقصود هو معناه اللغوي الذي صار هو معناه الاصطلاحي . كان المقصود به هو الدينونة لله وحده , والخضوع له وحده , واتباع أمره وحده . سواء تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية , أو تعلق بتوجيه أخلاقي , أو تعلق بشريعة قانونية . فالدينونة لله وحده في هذا كله هي مدلول العبادة التي خص الله - سبحانه - بها نفسه ; ولم يجعلها لأحد من خلقه . .

وحين نفهم معنى العبادة على هذا النحو نفهم لماذا جعل يوسف - عليه السلام - اختصاص الله بالعبادة تعليلا لاختصاصه بالحكم . فالعبادة - أي الدينونة - لا تقوم إذا كان الحكم لغيره . . وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود , وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة . فكله حكم تتحق به الدينونة .

ومرة أخرى نجد أن منازعة الله الحكم تخرج المنازع من دين الله - حكما معلوما من الدين بالضرورة - لأنها تخرجه من عبادة الله وحده . . وهذا هو الشرك الذي يخرج أصحابه من دين الله قطعا . وكذلك الذين يقرون المنازع على ادعائه , ويدينون له بالطاعة وقلوبهم غير منكرة لاغتصابه سلطان الله وخصائصه . . فكلهم سواء في ميزان الله .


_ ويقرر يوسف - عليه السلام - أن اختصاص الله - سبحانه - بالحكم - تحقيقا لاختصاصه بالعبادة - هو وحده الدين القيم:
(ذلك الدين القيم). .

وهو تعبير يفيد القصر . فلا دين قيما سوى هذا الدين , الذي يتحقق فيه اختصاص الله بالحكم , تحقيقا لاختصاصه بالعبادة . .

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

(ولكن أكثر الناس لا يعلمون). .

وكونهم (لا يعلمون)لا يجعلهم على دين الله القيم . فالذي لا يعلم شيئا لا يملك الاعتقاد فيه ولا تحقيقه . . فإذا وجد ناس لا يعلمون حقيقة الدين , لم يعد من الممكن عقلا وواقعا وصفهم بأنهم على هذا الدين ! ولم يقم جهلهم عذرا لهم يسبغ عليهم صفة الإسلام . ذلك أن الجهل مانع للصفة ابتداء . فاعتقاد شيء فرغ عن العلم به . . وهذا منطق العقل والواقع . . بل منطق البداهة الواضح .

_ لقد رسم يوسف - عليه السلام - بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين , وكل مقومات هذه العقيدة ; كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزا شديدا . .

إن الطاغوت لا يقوم في الأرض إلا مدعيا أخص خصائص الألوهية , وهو الربوبية . أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه , ودينونتهم لفكره وقانونه . وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه - ولو لم يقله بلسانه - فالعمل دليل أقوى من القول .

وإن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس . فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلا أن الحكم لله وحده , لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده . والخضوع للحكم عبادة . بل هي أصلا مدلول العبادة .وإلى هنا يبلغ يوسف أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه , مرتبطا في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن . ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس , ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقا به:

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

(يا صاحبي السجن , أما أحدكما فيسقي ربه خمرا , وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه). .
_ ولم يعين من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيء تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء . ولكنه أكد لهما الأمر واثقا من العلم الذي وهبه الله له:
(قضي الأمر الذي فيه تستفتيان). .
وانتهى فهو كائن كما قضاه الله .
وأحب يوسف السجين البريء , الذي أمر الملك بسجنه دون تحر ودون بحث , إلا ما نقله إليه بعض حاشيته من وشاية لعلهم صوروا له فيها حادث امرأة العزيز وحادث النسوة تصويرا مقلوبا , كما يقع عادة في مثل هذه الأوساط


[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

_ و أحب يوسف أن يبلغ أمره إلى الملك ليفحص عن الأمر.
(وقال للذي ظن أنه ناج منهما:اذكرني عند ربك). .
اذكر حالي ووضعي وحقيقتي عند سيدك وحاكمك الذي تدين بشرعه وتخضع لحكمه , فهو بهذا ربك . فالرب هو السيد والحاكم والقاهر والمشرع . . وفي هذا توكيد لمعنى الربوبية في المصطلح الإسلامي . ومما يلاحظ أن ملوك الرعاة لم يكونوا يدعون الربوبية قولا كالفراعنة , ولم يكونوا ينتسبون إلى الإله أو الآلهة كالفراعنة . ولم يكن لهم من مظاهر الربوبية إلا الحاكمية وهي نص في معنى الربوبية . .

_ وهنا يسقط السياق أن التأويل قد تحقق , وأن الأمر قد قضي على ما أوله يوسف . ويترك هنا فجوة , نعرف منها أن هذا كله قد كان . ولكن الذي ظن يوسف أنه ناج فنجا فعلا لم ينفذ الوصية , ذلك أنه نسي الدرس الذي لقنه له يوسف , ونسي ذكر ربه في زحمة حياة القصر وملهياتها وقد عاد إليها , فنسي يوسف وأمره كله . .

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

(فأنساه الشيطان ذكر ربه). .
(فلبث في السجن بضع سنين). .

والضمير الأخير في لبث عائد على يوسف فى بعض أقوال المفسرين. وقد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده , فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد . وكان هذا من اصطفائه وإكرامه .

إن عباد الله المخلصين يتبغي أن يخلصوا له سبحانه , وأن يدعوا له وحده قيادهم , ويدعوا له سبحانه تنقيل خطاهم . وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك , يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضى وحبا وشوقا . . فيتم عليهم فضله بهذا كله


[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]
فائدة:

[IMG]https://***- /fa/0174.gif[/IMG]

1_ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(الرُّؤيا على رجلٍ طائرٍ ما لم تُعبَّرْ فإذا عُبِّرت وقعت قال والرُّؤيا جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين جزءًا من النُّبوَّةِ قال وأحسبُه قال لا يقُصُّها إلَّا على وادٍ أو ذي رأيٍ)

الراوي:أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر المحدث:الألباني المصدر:صحيح ابن ماجه الجزء أو الصفحة:3176 حكم المحدث:صحيح

قوله : ( رجل طائر ) بكسر الراء كأنها معلقة بطائر ، قيل : هذا مثل ، والمراد أنها لا يستقر قرارها (ما لم تعبر ) على بناء المفعول مشددا ومخففا يقال عبر الرؤيا بالتخفيف والتشديد إذا فسرها (واد ) اسم فاعل من الود كالحب لفظا ومعنى إلا على حبيب ، (أو ذي رأي ) أي : لب
حاشية السندي على ابن ماجه أبو الحسن الحنفي الشهير بالسندي
وا لمعنى أنَّ الرؤيا قبل أن تعبر معلقة في الهواء غير ساقطة ، وغير عاملة شيئا حتى تعبر ، فإذا عبرت عملت حينئذ ،وقوله بأنها على رجل طائر أي أنها غير مستقرة ،
والدليل :

_عن عائشةَ قالَتْ كانَتِ امرأةٌ من أهلِ المدينةِ لها زوجٌ تاجرٌ يختلفُ يعني في التجارةِ فأتتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَتْ إن زوجي غائبٌ وتركَني حاملًا فرأيْتُ في المنامِ أن ساريةَ بيتي انكسرَتْ وأني ولدْتُ غلامًا أعورَ فقال خيرٌ يرجعُ زوجُكِ إن شاءَ اللهُ صالحا وتَلدينَ غلامًا برًّا فذكرْتُ ذلك ثلاثًا فجاءَتْ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ غائبٌ فسألْتُها فأخبرَتني بالمنامِ فقلْتُ لئن صدقَتْ رؤياكِ ليموتَنَّ زوجُكِ وتلدينَ غلامًا فاجرًا فقعدَتْ تَبكي فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال:

[ مَهْ يا عائشةُ إذا عبرْتُم للمسلمِ الرؤيا فاعبُروها على خيرٍ فإن الرؤيا تكونُ على ما يعبرُها صاحبُها]
الراوي:سليمان بن يسار المحدث:ابن حجر العسقلاني المصدر:فتح الباري لابن حجر الجزء أو الصفحة:12/450 حكم المحدث:إسناده حسن

[IMG]https://***- /fa/0198.gif[/IMG]

2_ما حكاه القرآن عن حال سجن يوسف ومن معه ما يُنبىء على أن السجن لم يكن مضبوطاً بسجل يذكر فيه أسماء المساجين ، وأسبابُ سجنهم ، والمدةُ المسجون إليها ، ولا كان من وزعة السجون ولا ممن فوقهم من يتعهّد أسباب السجن ويفتقد أمر المساجين ويرفع إلى الملك في يوم من الأسبوع أو من العام . وهذا من الإهمال والتهاون بحقوق الناس وقد أبطله الإسلام ، فإن من الشريعة أن ينظر القاضي أول ما ينظر فيه كلّ يوم أمرَ المساجين .

[IMG]https://***- /fa/0138.gif[/IMG]
المراجع:
تفسير ابن كثير [ تفسير القرآن العظيم ].
تيسير الكريم الرحمن فى تفسير
كتاب "التحرير والتنوير" وصاحبه محمد الطاهر بن عاشور
كلام المنان للسعدى
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير.
الطنطاوى التفسير الوسيط
فتح البارى شرح صحيح البخاري لابن حجر
حاشية السندي على ابن ماجه لأبي الحسن الحنفي الشهير بالسندي

بارك الله فيكم على طيب المتابعة.. والحمد لله رب العالمين

[IMG]https://***- /fa/0199.gif[/IMG]



إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

جزاكي الله خيرا
إظهار التوقيع
توقيع : الورده الخجوله
#3

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

يسلمووو
#4

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

شكرا
#5

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

ممكن نتعرف انا بنوت جديدة في هذة منتدى
#6

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

بارك الله فيك

إظهار التوقيع
توقيع : جويريه
#7

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جويريه
بارك الله فيك
وبارك فيكِ ورضى عنكِ

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#8

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

جزاكي الله خيرا
إظهار التوقيع
توقيع : زاهرة الياياسمين
#9

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

يسلمووووووو ياقمر

بارك الله فيك

إظهار التوقيع
توقيع : Nada Nodaa
#10

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الورده الخجوله
جزاكي الله خيرا
جزانا وايَّاكِ وبارك الله فيكِ ورضى عنكِ

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#11

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nada nodaa
يسلمووووووو ياقمر

بارك الله فيك
وبارك الله فيكِ ورضى عنكِ

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#12

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زاهرة الياياسمين
جزاكي الله خيرا
جزانا وايَّاكِ وبارك الله فيكِ ورضى عنكِ

إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#13

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))

رد: تفسير سورة يوسف(.تفسير الآيات (38- 42))بوركتي يارب


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
اسماء سور القران ,تعرفى على آسمآء سور القرآن ربي رضاك والجنة القرآن الكريم
ترتيب السور حسب النزول فتاة بالحياء تجملت القرآن الكريم
طريقة ختم القرآن الكريم في أسبوع رحيق الفردوس القرآن الكريم
( تفسير سورة الطلاق) تفسير الآيات (1- 2) أم أمة الله القرآن الكريم
تفسير ما تيسر من سورة الجمعة .تفسير الآيات (1- 2) أم أمة الله العقيدة الإسلامية


الساعة الآن 08:53 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل