لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟
لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟ السـؤال / تحدثنا في القضاء والقدر، فقـالت لي صديقتي : إذا كان الله قدر كتـب لي كل ما سأمرّ به في حياتي قبـل أن يخلقني فكيف يحاسبـني على ذلك ؟ وقالـت: إنه حسب مفهومهـا أن الله سبق في علمـه ما سيفعل الإنسان وإنـما لم يكتب عليه ذلـك . وأنـا في الواقع لا أحاول أن أخـوض في هذا الموضوع لأنـني لا أملك فيه علما واسعـاً وأخشى أن أقول في هـذا الموضوع ما ليس لي بِعلـم . وهـي في الواقع ليست المـرة الأولى التي أتعرض فيهـا لهذا السؤال وأجد حـرجاً في الردّ و لا أجد ما أقـول، فأرجو سيدي الكريـم إعطائي جوابا مبسطا وكافيا لهذا السـؤال . أرجـو أن تفيدني، وجزاك الله خيـرا. الجـواب: وجزاك الله خيراً،قـال ابن عبد البرّ رحمـه الله: وقال العلماء والحكماء قديـما ( القدر سرّ الله، لا تنظـروا فيه. فلو شاء الله ألاّ يُعصـى ما عصاه أحد، فالعباد أدق شأنـا وأحقر من أن يَعصوا الله إلا بـما يريد ) وأمـا أن الله علِم ما سيفعلـه الخلق فهذا صحـيح، ولذلك فإن مراتب القـدر عند أهل السنة أربـع : الأولـى: العِلم ؛ وهـو أن الله علِـم بكل شيء قبل خلق الخلـق . الثانيـة: الكتابة ؛ وهـي أن الله كتب في اللـوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامـة الثالثـة: المشيئة ؛ وهي أن الله قـد شاء كل ما هو كائـن، فلا يكون شيء إلا بـمشيئته سبحانه وتعالـى . الرابعـة: الخلـق ؛ وهي أن الله خَلَـق كل شيء، والخلـق مُتأخّر عن العِلم وعن الكتابـة . فمـن علم بـهذه المراتب استبان لـه الحق في مسائل القضاء والقـدر، فلو خلق الله الخلق وكتـب عليهم الشقاء ما كـان ظالماً لهم، لأنـهم عبيده وفي مُلكِه وتحت تصرّفـه . فكيـف وهو لم يَكتب الشقـاء على الأشقياء إلا وقـد علِم سبحانه وتعالى ما سوف يَعمَلـون . ثـم أخرجهم إلى دار الابتـلاء، وأقام عليهم الحُجـج والبراهين، وأرسل إليهـم الرُّسُل، وأنزل إليهم الكُتُـب، وأنذرهم، وأعذر إليهـم . فاللـوم إذاً يَقع على الإنسـان الذي رأى الخير والشرّ ثـم اختار طريق الشـرّ. أرأيت لو أن إنساناً قيل لـه: هذا الطريق مَخْوف وخطيـر، وذلك طريق آمِن، ثـم اختار لنفسه أن يسلك الطريق الْمَخُوفَـة . فعلـى من يقع اللوم ؟ هل يقع علـى الذي أخبره بأن الطريق مَخوفَـة ؟ أو على الذي سَلَك الطريق المَخُـوف ؟ وكمـا يُقال: بالمثال يتّضِح المقـال: لو أن مُدرِّساً درّس مجموعة من الطلاّب، ثـم عرف مستوى الطلاّب، ثـم في آخر السنة كَتَب في ورقة وأخفاها عنـده : هـؤلاء يرسبون ( وكتب أسماءهـم ) وهؤلاء يَنجحون ( وكَتَب أسماءهـم ) وكان ذلك بناء علـى معرفته بـمستوى طلاّبِه . ثـم جاءت النتيجة كما توقّع المـدرِّس. فهل كتابة المدرِّس هذه لهـا أثر في نتائج الطـلاّب ؟ وهل رسوب طالب وإخفـاقه في الامتحان يَقع على المدرِّس، أو على الطالب المُهمـل ؟ لا شـك أن العقلاء يتّفقون علـى أن كتابة المدرِّس ليس لهـا أثر على مستوى الطـلاب ولا على نجاحهم ورسوبـهم . ولا يقـع عليه لوم في كتابته تلك، وإنـما اللوم يقع علـى الطلاّب الذين أهملـوا، والذين غَفَلوا عن دراستهـم ولله المثل الأعلـى: فالله كَتَب في اللوح المحفـوظ قبل خلق السماوات والأرض مـقادير كل شـيء . وكتـب على الإنسان ما سوف يَعملـه، وهو في بطن أمه، فكُتِـب: رزقه وعمله وأجله وشقـي أو سعيد. كما في الصحيحين مـن حديث ابن مسعود رضي الله عنـه . فهـذه الكتابة مبنية على عِلـم الله السابق، والذي أحـاط علمه بكلّ شيء، وليست مُجرّد كتابـة . ثـم لما خَرَج هذا الإنسان عَـرَف طريق الخير من الشـرّ، وعُرِّف إياه بالإضافة إلـى ما فَطَره الله عليـه من معرفة الخير والشـرّ . ثـم قيل له: هذا طريق الجنـة، وهذا طريق النار، ثـم اختار طريق النـار. فلا يقع اللوم على غيره ، وإنـما يقع على من اختـار لنفسه ما يضرّها وما يُهلكهـا . وكـل إنسان مأمور بالسعـي في فِكاك رقبته وعتقهـا من النار، ومأمور بالسـعي والجدّ والعمل الصالـح . ولذلـك لما سُئل رسول الله صلـى الله عليه وسلم: فيمَ يعمـل العاملون؟ قـال ( كُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق لـه ) رواه البخاري ومسلـم . وأفضـل من رأيته كَتَب فـي هذا الباب، وشَفى وكَفَـى: ابن القيم رحمه الله في كتـابه النافع الماتع ( شفاء العليـل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعلـيل ) والله تعالى أعلـم . |
رد: لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟
جزاكى الله خيرا اختى
|
رد: لمـاذا يحاسبني الله علـى شيء قد كتبه لـي ؟
جزاكى الله خيرا
|
الساعة الآن 07:56 AM |